موضوع: رحلة الى مغسلة الموتى ..... الإثنين مارس 10, 2008 1:21 am
[frame="3 80"] حادثة لم تكن قريبة الوقوع ولكن أثرها يمتد امتداد عمري سقتها إليكم مع بداية عام جديد نتذكر فيه نهايتنا وبيتنا الأول الذي ينتظرنا .. هي مجموعة خواطر تصور ذلك الحدث ووقائعة لنعيشها بصدق ..أسأل الله أن يكتب لها الأثر المحمود الذي يأخذ بأيدينا للجد والعمل وإغتنام العمر والوقت ..
كان كل شيء يبدو بارداً برودة جسدها الذي فارق الحياة والصمت ممتداً على الأرفف ودواليب هنا وهناك وأنابيب الماء التي تعلو سرير حجري وألواح تحول بين جسد الميت وقاع ذلك السرير
وقطع من القماش بيضاء تنتظر الخروج لتلتحف التراب ويلفها الظلام
ورائحة السدر والكافور والحنوط سيطرت على كل ذرة هواء في ذلك المكان وشعرت بها تملأ صدري فقد تنفست الصعداء بإسراف من هول المكان ووحشته هدوء في كل شيء وضجيج الألم يعبث في صدري وحزن تمكن من كياني حتى حطم جدران صبري وكدت أسقط أرضاً ورعشة تأخذني بين حين وآخر كلما تذكرت أنني سأدخل المكان جسداً هامدا لا حراك فيه تأملته في سكون لا يقطعه غير حوقلةٌ وتهليل اسمعها من أمي فكلما وقع نظرها على شيء من لوازم تغسيل وتكفين الميت أشارت إليه لتشرح لي موضع استعماله وكيفيته لقد كان دخول المغسلة بالنسبة لي سلسلة من الدروس والمحاضرات جلسنا بين صمت المكان وحديث النفس والقلب ما يقارب الساعة... بعدها سمعت صوت السيارة التي سبقناها إلى المكان كي نستقبل جسد الغالية فقد وعدناها أن نقوم على غسلها وتكفينها وإعدادها لأول منازل الآخرة .. تذكرت حينها عندما كانت تحتاجني لتسريح شعرها الذي تداخلت فيه ألوان الشيب بالحناء ولم يخطر على قلبي حينها عندما كنت أمازحها بكلماتي وأعبث بشعرها وأقول : هل تريدينه واحد أم أكثر .. أنه سيأتي يوم لأجعله في ظفائر ثلاث ولا غير لم يدرج على فكري وعقلي عندما كنت أصر عليها أن تأخذ من عطري أنني سأمسح مواضع السجود فيها بالحنوط وقليل من المسك والعود .. وبدأ فوج من الذكريات يطوف في مخيلتي لم يترك شيئاً إلا ومر بي عليه غرفتها حقيبتها ملابسها ضحكتها صوتها دموعها مرضها وسرير المشفى الذي بقيت فيه حتى فارقت ضيق الدنيا إلى سعة رحمة الباري قابلتها في نزعها الأخير كنت أجهل علامات الموت ولم أكن أعلم حينها أنها تحتضر عيونها ناظرة ولسانها منقطع الصوت لم أستطيع البقاء خرجت هاربة ولم أصل للبيت حتى لحقني خبر وفاتها عندها طلبت مني أمي أن أشاركها غسل أختها فهي حبيبة قلبها ويعز عليها أن تلمسها يد غريبة واستجبت بكل حزم وعزم فأنا أيضا أفضل ما فضلت أمي وأرى ما ترى .. قرأت في كتيب صغير كيفية الغسل وماهي خطواته سننه ومستحباته ولجأت إلى الله أن يمدني بالعون والثبات .. وها أنا الآن أقف عيني شاخصة بالباب لم أشعر بسكين الوقت بقدر ذلك اليوم فقد مزقتني كل ممزق هناك عند مفترق الألم والحزن والوداع وعلى قارعة الأسى المرير سمعت صوت أخي ينادي فهرعت إليه وقال أفسحوا الطريق حتى ندخلها .. جااااااااااااااااااااااااااءت حبيبتي محمولة تغطيها عباءتها تركوها لنا وغادروا عندها أقبلت علينا امرأتان كان يبدو عليهن علامات التجلد والقوة .. وعرضن المساعدة ووالله كنا في أمس الحاجة لها فقد انهارت قوانا حزنا وألما على فراقها نقلتها معهم على ذلك السرير وألواح خشبية وغطت بفوطة كبيرة وقمنا بقص الثياب ونزعت عنها ووضأتها وضوء كامل ثم سكب الماء وبدأنا بالغسل كنت متصلبة التفكير متجمدة المشاعر فقد تصاعد الهم والحزن والخوف والهيبة حتى لا شيء في قلبي غير إعدادها على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه وتتبعت خطوات الغسل بحرص وبإتقان ثم حملناها حيث الكفن وقمت بتسريح شعرها ونثرت الطيب والعود على مواضع السجود ولفت في الكفن وتغطى كل شيء وتركنا وجهها كي تودعها عيون الأحبة نزلت بكل وهن وضعف حتى دنوت من رأسها لأقبلها فسبقتني دمعتي لتبلل وجهها البهي فقد كان يعلوه بياض وإشراق عجيب هناااااك أطلقت سراح دمعي وغرقت في بحره وعادت إليّ حرارة الحزن ..وانتصبت أمام عيني إشارات الوداع لتضيء لنا لحظات الفراق وأعلنت قائلة : إنها النظرة الأخيرة صدقي أو لا تصدقي والملتقى الجنة ( بحول الله وقوته )وتدافع الأحباب قرب الباب .....مودعين لغة من الآهات أعجمية أحاطت الصدور ولم يكن هناك ترجمان غير الأنين والحنين ودمع حزين . لله ما أمرّه ..علقم مذاقه يصهر الحنايا ويثني الزوايا وهل يكفي البكاء لحبيب تفارقه ..؟؟ أواه كيف حالي وما عنوان مقالي إن كنت أن المُودَع هيهات ..كيف سيكون ارتحالي ماحجم صبري وما قدر احتمالي يوم هم باكون عليّ وأنا انتظر إنقلابي حيث التراب والرمال وموعد السؤال منكر ونكير وخطب خطير فإما روضة أو حفر وعند الله موعدنا وهناك المستقر
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين واجعل قبورهم روضة ونعيم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم وسع عليهم وأنر قبورهم وانقلهم من مواقع الدود إلى ظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة اللهم واجمعنا بهم في جناتك جنات النعيم وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه وهون علينا سكرات الموت وأحسن لنا الخاتمة برحمتك يا أرحم الراحمين ..
موضوع: رحلة الى مغسلة الموتى ..... 
الإثنين مارس 10, 2008 1:21 am
